
حمل سمها سعيد الغامدي بين ضلوعها قلبًا حنونًا، وحبًا جارفًا لا ينتهي، اكتسبتهما من تعاملها مع الأيتام منذ 32 عامًا؛ فكانت أُمًّا بديلة لهم، تعايش ظروفهم وأحوالهم لحظة بلحظة، تدرس حالاتهم اجتماعيًّا ونفسيًّا، وتضع آلية معينة للتعامل مع كل حالة على حدة؛ فأثار أداؤها إعجاب رئيس مجلس حقوق الإنسان في جنيف؛ فخاطبها قائلاً: "كنت أتوقع أن النقاب يغطي عقولكن، ولكنني اكتشفت العكس".
و"سمها" التي تدرجت في العمل الاجتماعي درجة درجة، إلىأن وصلت اليوم للعمل مستشارة لوكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للرعاية الاجتماعية والأسرة، منحت من وقتها وجهدها الكثير لفئة الأيتام، بادلتهم حبًّا بحب، راهنت على تفوقهم، وكسبت الرهان.. وأعلنت مبادرات عدة، تعمل على إدماج اليتيم في المجتمع، وتعيد إليه الثقة في نفسه؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يطلق الجميع عليها "أُمّ الأيتام"، وهو اللقب الذي يُشعرها بالسعادة والفخر كلما سمعته.
كنف أسرة
تؤمن سمها الحاصلة على ماجستير خدمة اجتماعية من جامعة الملك سعود بأن الطفل اليتيم لا يحتاج إلا للعطف والحب والحنان في كنف أسرة صغيرة؛ حتى يبدع ويتألق في حياته. ومن هنا طالبت سمها المجتمع بأن يقف بجانب اليتيم، ويدعمه إلى أن يحقق كل أحلامه.
تقول "سمها الغامدي" عن مشروع زواج اليتيمات، الذي أسسته لحماية الفتيات وصونهن: "نجح المشروع، وحقق ما كان منتظَرًا منه؛ إذ أثمر عن تكوين أسر من الأيتام، وتم تخصيص وحدات للعناية بتأهيل وتزويج الأيتام والتوفيق بينهم، ودعم استقرارهم".
وتضيف: "أشعر بالفخر؛ لأنني أحمل لقب (أم الأيتام)، وإن كنت أرى أن صاحبة السمو الأميرة سارة بنت محمد هي الأم الأولى للأيتام بلا منازع، وهي صاحبة الحق في هذا اللقب، ليس لسبب، سوى أنها أسست العمل الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية، وجعلت للأيتام اهتمامًا خاصًّا، وكانت تؤكد أن العمل معهم (قلب.. ورب)، وجعلت جل اهتمامها منصبًّا على المتابعة والتطوير لبرامجهم وتنمية ذواتهم، وحسن الرعاية لهم.. ليس هذا فحسب، وإنما احتضنتهم في بيتها، إيمانًا منها بأن الأسرة هي المكان الأنسب لتنشئتهم". مضيفة "لا أبالغ إذا أكدت أن الأميرة سارة مثال نقتدي به جميعًا في تقديم الرعاية للأيتام؛ فهذه القائدة الاجتماعية أعطت بإخلاص وتفان؛ ومن هنا فهي تستحق منا كل التكريم والاقتداء بسيرتها العطرة".
مقارنة في الرعاية
وتتذكر "سمها" بدايتها في العمل الاجتماعي، وتقول:"عقب تخرجي في الجامعة التحقت للعمل في دار للحضانة الاجتماعية عام 1984، وقد أحببت العمل كثيرًا مع الأطفال، وتعلقت بهم، وتوليت مسؤوليتهم، وتعايشت مع قضاياهم، وكنا نقضي وقتًا طويلاً، وكأننا أسرة واحدة؛ وهو الأمر الذي أكسبني الخبرة أولاً، وحب العمل الإنساني ثانيًا، وتحديدًا مع الأطفال الأيتام".
وتعقد السعودية "سمها" مقارنة بين الاهتمام بالأيتام في السابق واليوم، وترى أن "هناك نقلة كبرى شهدتها برامج الاهتمام بالأيتام في السعودية، وأعتقد أن الفرق كبير جدًّا بين الحضانة التي بدأت العمل فيها في عام 1984 وما يشهده العام الحالي 2016 من برامج رعاية واهتمام حظي بها الأيتام؛ إذ أرى أن هناك تغيرًا جذريًّا، لكنه لم يكن وليد اللحظة أو مفاجئًا، وإنما كان تدريجيًّا؛ فقد كانت الرعاية مؤسسية وجماعية في بدايتها، وحظي الأيتام ببرنامج تطويري، بدءًا من رعاية الرضع منهم، وإنشاء روضة نموذجية حديثة، بالتعاون مع منظمات دولية وتدريب متطور للأمهات الحاضنات، إلى السعي نحو تطبيق النظام الأسري داخلها فيعام 95م، وهو محاكاة للواقع الذي يعيشه الأطفال في أسرهم العادية؛ ما أحدث نقلة نوعية في أسلوب الرعاية المقدمة لهم، وتُوّجت تلك الخطوات بإقرار نظام البيوت الاجتماعية في العام الماضي 2015م، والبدء في تطبيقه. وأعتقد أن هذا النظام سيحقق للأيتام الحياة الآمنة والسوية داخل أُسَر صغيرة، تساعدهم على الاندماج في المجتمع".
أبناء المجتمع
وتؤكد سمها أن "العديد من الأيتام بدأ يشق طريقه بالدعم والتشجيع، وتميزوا على أقرانهم من أبناء المجتمع. ولا يمنع ذلك من التأكيد أننا في حاجة إلى المزيد من تعاون المجتمع؛ لاحتواء المزيد من الأيتام، واحتضانهم بدلاً من الدور الإيوائية؛ لأن الأسرة البديلة هي الأساس في الرعاية والاهتمام والتربية الصالحة.. وحاليًا الاهتمام كبير بإعدادهم، وتنمية قدراتهم؛ ما يبشّر بخير وفير".
وتشير إلى أن الشريعة الإسلامية حفظت حقوق المرأة أكثرمن قوانين وأنظمة الأمم المتحدة، وتقول: "اتفاقية جنيف الخاصة بحقوق المرأة دخلت حيز التنفيذ منذ سنوات، وهيئة حقوق الإنسان هي الجهة المعنية بمتابعتها، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نزايد على تميز المجتمعات الإسلامية، التي تطبق الشريعة الإسلامية في تعاملاتها مع المرأة وتفوقها على ما تحتويه الاتفاقية من بنود". مؤكدة أن "السعودية منأولى الدول اهتمامًا بحقوق المرأة، وفق ما أقرته لها الشريعة الإسلامية، وهذا مصدر القوة لنا".
وكانت سمها الغامدي قد بدأت العمل الاجتماعي مديرة لدار الحضانة الاجتماعية في 1984، ثم رئيسة قسم الأيتام في الإدارة العامة للإشراف النسائي الاجتماعي في الرياض. وفي 2009 عملت مديرة إدارة رعاية الطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية، وفي 2013 عُيّنت مديرة للإشرافالنسائي الاجتماعي بالرياض. ويُحسب لها أنها أسست أوللجنة زواج لليتيمات، وحولت دار الحضانة من النظام المؤسسي إلى النظام الأسري.
المصدر
سبق